برنامج الدراسات النسوية/
أحداث / "الخطابات الاجتماعيّة- السياسيّة في قصص حياة معلّمات فلسطينيّات في إسرائيل" (تشرين أول 2011)"المعلّمات الفلسطينيّات في دولة إسرائيل واعيات للقيود وللمعيقات الاجتماعيّة والسياسيّة التي قد تمنعهنّ من التحدّي المباشر للقوى المهيمنة والقامعة. مع هذا، إنّ القراءة المعمّقة في قصص حياة المعلّمات العربيّات تشير إلى أنّهنّ لا يخضعن خضوعًا تامًّا لهذه القوى، بل ينجحن في إيجاد مساحات يقمن من خلالها ببناء خطاب بديل يحاول زعزعة هذه البنى وخلخلتها" -هذا ما قالته سلفيا سابا سعدي في سمينار برنامج الدراسات النسويّة.
في إطار سمينار الدراسات النسويّة، استضاف برنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل د. سلفيا سابا سعدي في محاضرة حول "الخطابات الاجتماعيّة- السياسيّة في قصص حياة معلّمات فلسطينيّات في إسرائيل". وتشكِّل المداخلة جزءًا من رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها من جامعة بن غوريون.
استهلت اللقاء البروفسورة نادرة شلهوب - كيفوركيان (مديرة برنامج الدراسات النسويّة في المركز)، مرحِّبةً بالحضور ومشدّدة على أهمّـيّة موضوع السمينار ولا سيّما تناوله لقضيّة التعليم قائلة: "التعليم كان ولا زال آليّة للسيطرة والقمع ومراقبة وتغيير أنماط التفكير. إنّ السياسات التي تُنتهج في هذا المجال تؤثّر بالغَ تأثيرٍ على المجتمعات عمومًا، وعلى الأقلّـيّات وأقلّـيّات الوطن (كالفلسطينيّين في إسرائيل) على وجه الخصوص".
"تجربتي كامرأة وكمعلّمة فلسطينيّة في دولة إسرائيل لطالما أثارت لديّ أسئلة حول كيفيّة تعامل المعلّمات العربيّات مع واقع مركّب ينطوي أحيانًا على بعض التناقضات" -هذه ما قالته د. سابا- سعدي في افتتاحيّة محاضرتها، وأضافت: "أحد أهداف هذه الدراسة يتعلّق باستكشاف ماهيّة التجربة الذاتيّة للمعلّمات العربيّات في مختلف مجالات حياتهنّ الشخصيّة المهنيّة والاجتماعيّة آخذة بعين الاعتبار واقع حياتهنّ كنساء يعشن ويعملن في إطار متعدّد الأنظمة الأبويّة المتمثّلة -مثلاً- في مؤسّسة العائلة والمجتمع والمدرسة والكلّـيّة وغيرها. كذلك حاولت هذه الدراسة أيضًا كشف الدلالة أو الدلالات التي تنسبها المعلّمات العربيّات إلى عملهنّ كمعلّمات في دولة إسرائيل. من خلال البحث، حاولت استكشاف الإستراتيجيات التي تستخدمها المعلّمات للتعامل مع ما يخلقه عملهنّ من تناقضات على الصُّعُد الشخصيّ والسياسيّ والاجتماعيّ. كما حاولت كشف كيفيّة تأثُّر المعلّمات بمهنة التربية والتعليم، التي تتطلّب فحصًا ذاتيًّا كما تتطلّب مبادَرةً. علاوة على ذلك، حاولت هذه الدراسة تناول طرق تعامل وتأثُّر المعلّمات بالاستقلاليّة المادّيّة التي توفّرها هذه المهنة. وبالطبع حاولت كذلك فحص كيفيّة تأثير هذه العوامل الواردة أعلاه على قراءة النساء لواقعهنّ الاجتماعيّ والسياسيّ، وكيفيّة تأثيرها على قدرتهنّ على التغيير الاجتماعيّ السياسيّ وعلى استعدادهنّ لتحدّي الأنظمة الأبويّة والسياسيّة القائمة".
وفي إشارة إلى أبرز نتائج الدراسة، أشارت سابا-سعدي إلى أنّ هناك تباينًا بين المعلّمات اللاتي شاركن في الدراسة، وبعكس ما تشير إليه الدراسات الإسرائيليّة، ينبع التباين من السياقات البنيويّة والشخصيّة وليس على أساس الانتماءات الطائفيّة أو الجغرافيّة (قرية/ مدينة). وأضافت قائلة: "إنّ التباين بين المعلّمات ناتج عن متغيّرات بنيويّة متفرّقة، ونتيجة تفاعل بين عدّة متغيّرات، كالنوع الإجتماعيّ، والطبقة الاجتماعيّة، والمكانة الاجتماعيّة السياسيّة، والتاريخ الشخصيّ للمرأة، والوضع المهنيّ، والوظيفة، والأقدمية، والفترة التي خدمت فيها، ودَوْر المرأة الاجتماعيّ في تلك الفترة، وفرص العمل، وتجارب المعلّمة الذاتيّة، وعائلتها -بالإضافة إلى اعتبارات طائفيّة".
إلى جانب هذه التباينات، تشير نتائج الدراسة كذلك إلى قواسم مشتركة بين المعلّمات تتلخّص في ثلاثة مجالات: المجال الأوّل يتعلّق بأنّ معظم المشارِكات توجّهن إلى مهنة التدريس من منطلق الانجراف القسريّ، لا من خيار حرّ. رغم هذا، في ما بعد -لانخراطهنّ في المهنة- رأت معظمهنّ هذه المهنةَ رسالةً وطنيّة أو/وَ دينيّة أو/وَ اجتماعيّة. أمّا العامل الثاني المشترك، فيتعلّق بأنّ جميع المشارِكات رأين أنّ عملهنّ في مهنة التدريس ينبغي أن يتركّز في تحسين قدرات الطلاّب وفي تعزيز التسامح بين الطوائف. اهتمام المعلّمات بالقضايا المحلّـيّة والاحتراس من تحدّي القيم الاجتماعيّة السائدة والقضايا السياسيّة يشكّل العامل الثالث المشترك لمعظم المشارِكات في الدراسة. وتضيف سعدي قائلة: "المعلّمات الفلسطينيّات في دولة إسرائيل واعيات للقيود وللمعيقات الاجتماعيّة والسياسيّة التي قد تمنعهنّ من التحدّي المباشر للقوى المهيمنة والقامعة. مع هذا، إنّ القراءة المعمّقة في قصص حياة المعلّمات العربيّات تشير إلى أنّهنّ لا يخضعن خضوعًا تامًّا لهذه القوى، بل ينجحن في إيجاد مساحات يقمن من خلالها ببناء خطاب بديل يحاول زعزعة هذه البنى وخلخلتها".
"تحمل هذه الدراسة الكثير من التجديدات، أهمّها يتعلّق باختيار الموضوع نفسه، إذ تقوم الدراسة بإسماع صوت المعلّمات العربيّات اللواتي يشكّلن نسبة عالية من النساء العاملات في المجتمع الفلسطينيّ، فتحاول الدراسة من خلال تجربتهنّ فهم مكانتهنّ الاجتماعيّة والسياسيّة" -هذا ما قالته د. ماري توتري (رئيسة قسم المدنيّات في كليّة أورانيم، ومحاضِرة في جامعة حيفا) في تعقيبها على مداخلة سابا-سعدي. وأضافت قولها: "الأدبيّات الأكاديميّة النقديّة التي جرى بحسبها تحليل نتائج هذه الدراسة المهمّة تشكّل إحدى نقاط القوّة في الدراسة، وبخاصّة تلك التي تتطرّق إلى تحدّي الهيمنة. وقد تحدّت الدراسة بمنهجيّتها الأبحاثَ الإسرائيلية التي تتعامل مع المجتمع الفلسطينيّ كمجموعة طوائف، وأكّدت أنّ التباين والاختلاف بين المعلّمات يحتكمان إلى تفاعل بين بِنًى اجتماعيّة مختلفة".
وفي نهاية اللقاء، شكرت البروفسورة شلهوب كيفوركيان المداخلات القيمّة والنقاش الغنيّ مع الحضور، وقالت إنّ قوّة وأهمّيّة هذه الدراسة وغيرها من الدراسات التي تجريها باحثات فلسطينيّات تكمنان في أنّها تقوم بالربط بين هيكيليّات القمع المختلفة مع تجارب النساء ومجالات حياتها المختلفة. كما أكّدت أنّ برنامج الدراسات النسويّة سيستمرّ في استضافة دراسات جديدة تهتمّ بقضايا النساء الفلسطينيّات في إسرائيل.